الخميس، 10 يناير 2013

مقدمة:



بإسمك اللهم :
إن واقع الأمة الإسلامية يملي علينا انشطارها اليوم إلى تيارين شاردين بينهما تيار ثالت جد متنوع :
1ـــ تيار منفتح بكل طلاقة على العالم الكافر ، ينهل منه كل معاني وأساليب الحياة لحد الأخد بعوراته كلها : كالميوعة والتفسخ والإنحلال ..
 بل ولحد الإلحاد والكفر والتنكر لمبادئ الأصالة الإسلامية بكل مراميها، وسعيه لوأد كل حركاتها بكل نكران لبدائلها ؛ معتمدا بل ومتزمتا على مظاهر الحياة الغربية وربما على قشورها فقط ،  وشعاره : الحياة متعة .
وغالبا ما تسوس هذا التيار بكل أحزابه ومنظماته وجمعياته رؤوس لم تدخل الكتاب القرآني ، ولا نهلت من التربية الإسلامية ما وجب ، ولا إطلعت على كنوز الفكر الإسلامي ..
ولهذا فإن وجوب الحوار مع هؤلاء واجب لأن معارضتهم للإسلام معارضة جهل ، ويمنع وصفها كلها بالكفر : لأن منهم من يقول أن الإيمان في القلب ، ولا يناهض الإسلام كممارسة بل يناهضه كثقافة وكبديل ، وليس عن دراسة ، بل عن موقف من الأصوليين لا غير ..
2ـــ تيار أصولي لم تكن له فرصة التفتح على ثقافة العالم المتحضر علميا وماديا.. فرفض الحضارة القائمة بمجملها ،  وبإيجابياتها والسلبيات ، ويعيش في انغلاق كامل على الثقافة العربية البسيطة ، بل وفي انغلاق حتى على الحضارة العربية ، وعلى من يخالفونه الرأي ولو كانوا يشاطرونه المبادئ ، فيرى أن الحل هو الرجوع لعهد الصحابة قلبا وقالبا .. 
ولكن دون وعي بمستلزمات هذا الشعار .. 
ولهذا فإنه يرى أن البديل إنما هو عودة حدود الشريعة فقط ، دون إهتمام بفروض هذا ، بل وبفهم ضيق للإسلام كله : 
إذ لا يرى في القرآن إلا الأوامر والنواهي ، وثقافته ثقافة : حلال وحرام ، ومسلم وكافر لا غير..
وهذا التيار له خطورته البليغة أيضا :
لأنه يريد نسف كل حضارة الأمة الإسلامية ولو عن حسن نية ، وبديله مناهضة العلمانية كلها لاتقليم سلبياتها .. 
فيناهض بذلك كل حسنات الأنظمة ، وبديله هو الوصول للسلطة بإسم الحاكمية وشعار : الحكم بما أنزل الله ..
 فربى إسلاميين لانشك في نياتهم الكريمة في عبادة الله تعالى ، لكن فهمهم غير حضاري إسلاميا .. 
بل وفكر بعضهم ظلامي ، وموقفهم رجعي ، وبديلهم ناسف ، حتى صار جهاديوهم كالطوفان يعصفون بكل عالمنا العربي والإسلامي  ، وورقة تتلاعب بها العصابات الدولية  ..
وكلا التيارين شاردين ، ولا يمثلان سواد الأمة الغارقة اليوم وللأسف في فكرها المعاشي البسيط .. 
بينما هناك تيار ثالت جد متنوع ، ويعد في إجتهادنا البديل الحقيقي للأمة ، بل وكنز كل الحركية الإسلامبة القادمة ولو دون  حاكمية : لأن تحكيم الشريعة أفق في الإسلام ، وليس أساسا أوليا كما يظن الكثيرون ..:

نحو تيار السنة والعلوم :

ولكلا التيارين عورات لاتحصى رغم وجود عدد كبير من الطاقات التي للأسف فقدت كل ميزاتها مع هذين التيارين :
1ــ فبالنسبة للتيار المتغرب نرى العديد من الكفاءات العلمية تسانده بكل قناعة بحجة المنطق العلمي لكن في العلوم الإقتصادية والقانونية خصوصا ، ولهذا فإن المظهر العام لهؤلاء مظهر براق ولكن كما قال تعالى : وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم .المنافقون 4
 وذاك لأن منطقهم ناسف للدين بكل تفلسف .. 
وهاته الثقافة الفلسفية العالية مرجوة في جهادنا الحضاري اليوم ، لكن الجهل بالدين تبقى العائق الأكبر أمام إلمامها بكل الحقائق الإسلامية ..
 ولهذا فإن هناك من هؤلاء من يعارض توجهات الإسلاميين لا حقائق الإسلام ، كما أنه لم يلق الإطار الرحب في الجماعات الإسلامية المسيسة : فظل بعيدا كل البعد عن إصلاح مجتمعه رغم وعيه الكبير بالسياسة ..
 ويعد هؤلاء طاقة مهدرورة ، ومن الواجب الإجتهاد في دعوتهم العلمية للحقائق الإسلامية ، عوض التوقف السياسي ضدهم .
2ــ أما بالنسبة للتيار الأصولي ، والرافض لكل مظهر حداثي فإن مرشدوه وللأسف وقعوا في خطأين :
ـــ إما أنهم خاصموا السياسة والسياسيين وأصبحوا يدعون للفقه الإسلامي في إطار الحلال والحرام فقط ..
ولهم ذلك لكن جريمتهم تكمن في نسفهم للتراث الإسلامي وفكره وحضارة الأمة ، وفي رؤية أن منهجهم الفقهي وحده الأصح. 
في حين أن للفكر الإسلامي دور في الإصلاح الإجتماعي ربما فاق مستوى الفقهاء السلفيين ، ولهذا ظل الوعي العلمي لمعظمهم بسيط ، ولحد اهتمامهم بالشكليات والظواهر لا غير ، بل ومحاربتهم حتى للساسة من الإسلاميين .
ـــ وإما أنهم يعارضون السياسات الرسمية ولكن بتربية أتباعهم على التقليد والوعي البسيط : لأن همهم هو تكثير السواد حتى يصلوا للسلطة :
 فربوا سوادهم على التموقف ممن سواهم ولو كان إسلاميا ، مما كرس الفرقة والتدابر بين جماعاتهم ، ولحد محاربة كل منها للأخرى ..
لكن بينهم طاقات مهدورة أيضا ، كما أن العديد من أتباعهم حسنوا النية وملتزمون حقا بالعبادات رغم انغلاقهم التام على ثقافة جماعتهم لا غير .
وهؤلاء معا يرون أن عدوهم هم العلمانيون ، ولحد تكفير  من يعمل مع الدولة حتى كموظف..
وينسون أن العلمانيين أنفسهم ناضلوا بل ويناضلون على نفس المطالب التي يرفعون اليوم شعاراتها ..
وهذا التيار كنز للأمة إن تفتحوا على كل العلوم والفقهيات الإسلامية وما حق من علوم ...
ونرجوا الله أن يفتح بصائرهم مذلك على الفكر الإسلامي العلمي الحق لأنه يعد الفعال الأكبر في تجديد عقولهم كمسلمين  .
وهذين التيارين لو اجتمعا معا ، وتفتح كل منهما على الآخر ، وتاب المتغربون من ضلالهم عن الدين ، وتفتح الأصوليون على ثقافة العالم  لقمنا بنهضة إسلامية عالميه لصالح كل الناس ، وحقا إنسانية .
ولهذا ننظر مشيرين لا حاسمين في بديلنا هذا .
فكلا التيارين يعدان تكامليان ومتكاملان في جهاد أمتنا الحضاري، لأن تلاحم التيارين يعني بزوغ تيار الأصالة والمعاصرة ونهج السنة والعلوم ..
وذاك مرمانا الأول نحو مسلم وسطي ومعتدل .
وخصوصا وأن معظم اللامنتمين اليوم وسطيون ومعتدلون ، لكنهم لا يرون في الإسلاميين ولا في السلفيين بديلهم  ..

التفتح أمر سني وقرآني :



كثير من الإسلاميين والسلفيين يرون أن الإسلام الحق هو تربية أبنائهم وبناتهم على الإنزواء عن الناس وعلى كل مظاهر الحضارة ، ولحد تحريم قراءة ما سوى الكتب الإسلامية ، ظنا منهم  أن هذا من أوامر الدين.. 
وهذا قصور فهم : لأن الإسلام دين العمران إذن : دين الحضارة . ودين العلم إذن : دين المنطق والتفتح على كل المعارف  .
فالرسول صلى الله عليه وسلم أثناء دعوته ورسالته كان متفتحا بآيات القرآن نفسه حتى على أقوال إبليس وإدعاءات اليهود والنصارى والملاحدة والوثنيين :
فالقرآن الكريم يبدو من خلال حوارات الأنبياء مع الكفار ومن خلال قصص الأنبياء وكذا من خلال أقوال اليهود وإبليس كبرلمان حوار :
ــــ فالله عرفنا على إبليس وهو أعدى أعدائنا لحد تفصيله كل تحركاته منذ آدم كما حكى لنا بعض أقواله لعنه الله 
ـــ كما أنه عرفنا باليهود ولحد تسجيل آيات ذمهم لله سبحانه وتعالى عن ذلك علوا كبيرا ، وفصل لنا بدقة كل ما يلزم معرفته عن نفسيات اليهود.
ــــ كما أنه عرفنا بعقائد الملاحدة كالدهريين كما بقوله تعالى : » إن هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر .الجاثية 24
ــــ كما أنه عرفنا بالنصارى وعقلياتهم لحد قولهم عن مريم بهتانا عظيما ، وإدعائهم بنوة الله سبحانه وتعالى لعيسى عليه السلام.
ومن هذا يتضح أن الثقافة الإسلامية ليست ثقافة إنغلاق ولا تعاليم تعبدية فقط بل هي ثقافة جد منفتحة : 
وإلا فكيف ندعوا من نجهل أسلوب تفكيره؟ ولهذا بات من لوازم دعوتنا :
1ـــ التفتح على الآخر لحد نقد كتبهم المحرفة كما هي شعبة مقارنة الأديان في فقهنا الإسلامي والحمد لله تعالى .
2ــ التفتح على كل المدارس الفلسفية لتعميق أسلوب التفكير
3ــ التفتح على كل علوم الآخر بالقبول بتدقيق أو النقد بحجة
وهاته هي المبادئ الأولى لـ : تيار أسلمة العلوم » التي يجب أن تكون كتبه عامة وملخصة للعموم ولو كانت بحوثه جد تفصيلية وجد معمقة.. 
وهاته هي ثقافتنا البديلة فلا مستقبل لنا إلا بالعلمية وبالمبدئية وإلا فلا ثقافة حقة سترجى لنا مستقبلا .
وإلا فإن لم نتفتح على العقل العالمي كاملا ،  فكيف يتسنى لنا حقا علاجه ؟ ..
مما يقحمنا في دراسات واقعية وحقا ميدانية  ستفضي وحتما إلى :
1ـ معرفة الحركات السرية المناهضة للإسلام وكل مؤامراتها 
2ـ دراسة الإيديولوجيات المحبوكة ضد الإسلام  وكل مخططاتها 
3ـ تقديم بديلنا عن علم كامل ورؤيا شاملة
مما يستلزم مؤسسات عالية لهذا البديل .
ولهذا فإن التفتح واجب بآيات قرآنية وبعبقرية الرسول صلوات الله عليه وبواجب الوقت أيضا .
فبتفتح المسلمين الأوائل تحدى الإسلام كل هرطقات الديانات الضالة : 
ولحد غربلة كل العلوم ،وإنشاء بيت الحكمة في عهد العباسيين وترجمة كل علوم العجم مع تفنيدها ، فتعميق علم الكلام الذي يناهضه وللأسف بعض فقهائنا وكل الفلسفة الإسلامية وعلوم التصوف الإسلامي  .
رغم أن من رد الغزو الثقافي الأول عنا بعد فقهاء السلف الصالح هم الفلاسفة والمتكلمون والعارفون بالله ..
وهانحن نعيش اليوم غزوا ثقافيا أدهى وأمر ،  ولحد استلابنا بالكامل.
فالجهاد العلمي اليوم إذن واجب وجوب الحركية الإصلاحية .
كما أن وجوب إنقادنا من هذا الإستلاب الحضاري واجب على  العلماء وأمرائنا وجوب الصلاة  :

لا للإنغلاق :



وكثير من دعاة الإنغلاق على الفقه الإسلامي من يحتج على ذلك :
ـــ بأمية الرسول صلى الله عليه وسلم ليؤكد أن الفكر الإسلامي بسيط المستوى ولا عمق فيه ، وينسى أن آفاق الرسول لم تكن لإنسان ولا ملاك قبله إذ فتح الله بصيرته وبصره على عالم الملك والملكوت حتى سدرة المنتهى وما فوق السماء السابعة ولهذا فإن للرسول آفاق عليا لن نصلها إلا بالتفتح أولا على عالمه الأول الذي هو عالم الملك .
ــ بمنع الرسول صلى الله عليه وسلم تدوين ما سوى القرآن في حين أن ذلك لم يكن إلا في بداية البعثة بينما دون الصحابة كتابة بعد ذلك كل سنته وسيرته صلى الله عليه وسلم
ــ بوجوب البعد عن بؤر الكفر والضلال :وهذا حق لكن النهل من علوم الكافر فرض في الأمة فرض كفاية إذ لابد لنا من علماء يتبعون التطورات العلمية في أعلى مستوياتها وخصوصا العلوم المادية منها ..
فتفتح المنغلقين منا علينا أولا وعلى كل الفكر العالمي واجب في الجهاد الحضاري ، وإلا كيف نرد كيد إسرائيل التي تنسق كل حركاتها مع كل العالم ضدنا ؟ 
أبإرخاء اللحي والتكبر بها على المسلمين بادعاء التزامنا؟
أم بوعي حضاري رزين واستعداد على كل الواجهات ؟ 
وبدراسة لمكامن قوة الآخر قبل أية مناهضة؟
فالحرب المفروضة على إسلامنا اليوم حرب حضارية ناعمة وخشنة في آن واحد ..
لكنها لن تبيدنا يقينا ، وانتصارنا مضمون مهدويا كما سلف..
لكن مع تدافع حضاري منا حكيم ، ولصالح الناس أجمعين.
والتاريخ يشهد لنا كيف قدنا العالم لكل الخير والحق والنور حينما فتحناه ، فلم نعلوا فيه لإكتساب ثروات الشعوب كما يفعل اليوم الغربيون.. 
بل لتبليغ الحق ولتحرير الشعوب من عصاباتها الحاكمة ..
ولهذا فإن جهاد الإسلام جهاد سلام في جوهره ، بينما حرب عدونا - وحتى سلامه القادم - فحرب إبادة في ظاهرها والباطن .
لكنها أحلامهم وإننا والله بالنصر لخاتمون.

تفتحنا بين الماضي والحاضر والمستقبل


لقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم غير مهتم في شبابه بالعالم الجاهلي وانزوى للعبادة في غار حراء، لأن الله كان يعده روحيا ونفسيا وفكريا للرسالة المقدسة : 
والتي تحتاج إلى صفاء فكري وتزكية روحية ورجاحة عقلية أعلى من كل علاء..
ولهذا فإن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن منغلقا في هاته الفترة ، بل كان منعزلا للتأمل والعبادة ، ولتصفية خواطره من كل كدورات الجاهلية ، وهاته التربية الروحية لحد الآن لها روادها من العارفين بالله ، والذين ربوا أتباعهم على هذا الصفاء لحد الكلام اليوم عن فقه التصوف .. 
ومعظم المتصوفة ومهما اختلوا فإنهم لم ينغلقوا بل ليتفتح وجدانهم على عالم الغيب والملكوت بعد عالم الملك والشهادة ، وهاته مراقي يرفضها قطعا من سواهم من المنغلقين على الرسوم ، ولحد تكفير أوليائهم.. كما يشهد لمدارس التصوف تفتحها على العديد من الفلسفات ولحد المزج بين فلسفة الأديان والإستفادة من علومها قصد فهم أعمق للتدين ، بالرغم مما إعترى ولا يزال يعتري هذا التفتح من سلبيات وشطحات .. 
فالصوفي الحق إذن منعزل لكن غير منغلق . وهذا تعليق بسيط على انزواء الرسول صلوات لله عليه قبل البعثة .
أما في عهد البعثة فكان الرسول صلى الله عليه وسلم متفتحا على :
ـــ السماء ووحيها
ـــ وقريش بمكة ومكائدها
ـــ واليهود والمنافقين بالمدينة ومصائدهم
ـــ بل وعلى مايجري في الإمبراطوريات المعاصرة له وإلا كيف يدعو بالهجرة للحبشة لعدالة النجاشي ؟ وكيف يوجه رسائله لملك الفرس وإمبراطور الروم؟ .
فالرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن منزويا للتعبد بانغلاق كما يريد البعض لديننا أن ينحرف ، بل والقرآن نفسه كما سلف في خاصيتي العلمية والشمول يدعو إلى التفتح وإلا فلا ميزات لديننا عن كهنوت الوثنيين والنصارى والمجوس واليهود وغيرهم.
ولهذا فإن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يرحل للرفيق الأعلى إلا بعد إنطلاق الفتوحات الكبرى : وأسامة بن زيد يستعد .. الفتوحات التي أتم مشوارها الخلفاء ثم من تلاهم ، وليتفتح المسلمون واقعيا بل وحضاريا على كل محيطهم :
لكننا لاننكر إهتمام الخلفاء الراشدين أكثر بالسياسة الداخلية للأمة نظرا لما استجد من فتن :  كالمرتدين..ومانعي الزكاة ..ومكائد المنافقين..والمتنبئين..ومؤامرات اليهود والروم والفرس من بعيد...وغيرهم 
 لكن هذا لم يمنع الأمويين بعدهم ، وبالرغم من بزوغ فتن الفرق والطوائف على إكمال الفتوحات ، وليصبح العالم الإسلامي بهذا عالم حضارات عديدة ، إمتزجت فيما بينها لتعطي للعالم حضارة إسلامية لها من التنوع ما للبلدان المفتوحة من تراث ..بل ولحد إقامة بيت الحكمة في عهد العباسيين وترجمة الكتب العجمية بكل ضلالها للعربية وتفنيدها بالفلسفة الإسلامية وعلم الكلام ..
العلوم التي لايستسيغها كثير من الفقهاء الذين لايرون في بناء العقل المسلم إلا فقههم .
ولحد قول إبن رشد رحمه الله عنهم : هناك من الناس من يظن أن الله لم يهد غيرهم .
لكن وللأسف جاء بعدها زمن الإنحطاط لفتن كثيرة نجملها في :
1ـ اتساع رقعة العالم الإسلامي وضعف الخلافة بعد العباسيين
2ـ معارضة المصلحين للأنظمة الحاكمة
3ـ زحف الغزو الصليبي على العالم الإسلامي
4ـ انقسام الأمة إلى دويلات
5ـ الغزو الإمبريالي للعالم الإسلامي وتحقيقه للإستعمار المباشر
وهناك أسباب عديدة داخلية وخارجية تبرر كل هذا لكن اكتفينا بهاته الخمسة أسباب لأنها تشرح بوضوح علل الغزو الحضاري الغربي للأمة وبالتالي التفتح الإسلامي عنوة على الثقافات الغربية ، ولحد تفتخنا وقبولنا لكل عوراتها ..
ورغم كل هاته السلبيات فقد كانت لهذا الغزو حسنات كبيرة ، وخصوصا في الجانب المادي  :
ففي العصر الذي كانت فيه الأمة الإسلامية هائمة في فتنها الداخلية عرفت أوربا وكل العالم الغربي اكتشافات كبيرة وثورات علمية وصناعية براقة كان مهدها ما درسوه من عباقرة العرب الذين كانوا روادا لكثير من المدارس الفكرية الغربية كابن رشد وابن سينا والخوارزمي وغيرهم ..
وهذا التقدم الغربي والإنحطاط العربي كان هوالأساس في انهزام العالم الإسلامي ، والذي كانت من أسبابه الكبرى :
ـ محاربة اليهود وصهيونيتهم والنصارى وصليبيتهم للإسلام 
ـ الطمع الإستعماري للغرب في خيرات العالم العربي والإسلامي ، والمستمرة لحد الآن
ـ الحلم الإسرائيلي في استحمار العالم كله كما يملي تلمودهم الذي يعد الإسلام العقبة الوحيدة أمام طموحات اليهود
ـ شره نفسية الغرب للعلو والفساد في الأرض .
وكل هذا أدى إلى وجود عالم إسلامي متفكك لكنه والحمد لله متفتح على كل الثقافات رغم أن هناك من لم يأخد من الغربيين إلا أمراضهم الفكرية والخلقية والحضارية ..
في الوقت الذي نجد فيه مسلمين نهلوا من الغرب أرقى ما لديه فصاروا طاقات حقا فعالة ولصالح الإسلام والمسلمين بل وكل الناس  ..
وحتى صار المسلمون الدارسون اليوم لعلوم الغرب والمتفقهين في الإسلام نمودجا ومثالا حيا لبديلنا الحضاري ..
فالتفتح إذن إن كان محصنا بالإيمان العميق لن يكون إلا لصالحنا وكل الإنسانية ..
 أما الإنغلاق فكان ولايزال السبب الأساس في قوله تعالى : كل حزب بما لديهم فرحون . الروم 32 
 بل والتفتح هو الذي جعلنا نعرف اليوم على العالم كل شيء في حين أن انغلاق العالم الغربي علينا اليوم جعله يجهل عنا الحقائق ، ولتسوسه ثقافات الصحافة السياسية ضدنا ، كما قال الحسن الثاني رحمه الله لأحد الفرنسيين : نحن نعرف عليكم كل شيء لكنكم تجهلون عنا الكثير .. أو كما قال .
فللتفتح إذن حسنات كثيرة منها :
ـ احتواء العرب لكل علوم العالم ولغاته
ـ تحقيق الشمولية في الفكر الإسلامي
ـ الإطلاع على دقائق جل العلوم
ـ الإلمام بالحضارات الأجنبية
ـ استيراد العديد من حسنات الحضارة الحالية
ـ التعايش الحضاري للدول الإسلامية مع كل الحضارات
ـ إستيراد الديمقراطية من الغرب والتي لايناهضها الإسلام إلا في بعض دقائقها ولحد الكلام على إصلاح  الديمقراطية بالشورى  .
وهناك حسنات أخرى لاتزيد التفتح إلا بزوغا بينما يكفي أن تكون من سيئات الإنغلاق :
ـ الفكر الرجعي المناهض حتى للتقدم المادي
ـ الفكر الظلامي الغير متنور
ـ الجهل السياسي
ـ التموقف الحماسي
ـ الشعارات الزائفة
ـ التحزب الأناني والتعصب البغيض
ـ أحادية الرأي
ـ فرض الإجتهاد والقناعة عنوة
ـ رفض الإختلاف والتنوع
ـ تكريس الخلافات والتدابر بين المسلمين
ـ الجهل بالعلوم الحديثة وما استجد من اجتهادات عميقة
ـ القصور في الفهم
ـ رفض الدراسات المعمقة في الإسلام
ـ الإتغلاق على جماعة أو حركة أو تيار واحد
ـ احتقار اللامنتمين لتيارات المعارضة الإسلامية أو الإسلاموية بلغة أدق
ـ تعقيد الشباب المنتمي لهاته التيارات
ـ ادعاء التفقه رغم الجهل الكبير
ـ التجرؤ على الفتاوي دون كفاءات ................
بل وهناك مئات السلبيات التي نوجزها في كل مناكر التطرف الذي يعد - ولحد اليوم - السبب الأكبر في تشويه صورة الإسلام والمسلمين ..
لكن الأمل كبير في علاج هاته الصورة ، وخصوصا وكبرى الجامعات بل والعديد من الباحثين في الغرب صاروا أكثر جدية في دراسة الإسلام ، ومعرفة تاريخه الحقيقي وحضارته ..
 ولحد الجزم بشروق جديد لعلومنا الإسلامية من جامعات الغرب ، بعد المستوى الضعيف  اليوم لجل لجامعاتنا  وللأسف. 

زبدة القول



وهكذا يتبين بأن التفتح كله خير إذا كانت هناك حصانة أساسية وحكمة ، والإنغلاق كله سيئات ..
مع التركيز على أن هنالك فرق بين الإنغلاق المذموم وبين الخلوة التربوية والعزلة .
ولتبقى الوسطية هي الحاسمة في الترزن وفي تحقيق كل الإعتدال ..
وهاته الوسطية تملي أن الإصلاح الحقيقي هو البناء من أسفل مع مراعاة هندسة القمة ، وتصميم القمة مع مراعاة صلابة القاعدة  ..
 ولهدا فإن الإصلاح الحق هوالذي يأتي بـ :
ــ اتفاق المصلحين والحكام في كل وطن على مشروع عمل لا على تأدلج .
ـ بداية المصلحين من القاعدة بتنسيق كامل مع القمة ، وبكل تدرج ..
ـ مؤازرة القمة للإصلاح بسياسات إصلاحية شاملة ، وحقا إسلامية 
وإلا فلا صلح بين علماء السلطان إن ساندوه بإطلاق وبين فقهاء الفتنة إن عارضوا السلطة بإطلاق كما حال معظم سياسيينا : 
فالإصلاح الحقيقي هو الذي يكون عموديا وأفقيا في آن واحد :
ـ عموديا باختراقه لكل الطبقات والفئات وعدم ميله للقمة فقط أو للقاعدة فقط
ـ وأفقيا بتجاوبه مع كل فئات الشعب 
وهذا لن يتحقق إلا :
ـ بجهود جبارة للحكام حتى تتوافق سياساتهم والبديل الإسلامي علميا وعمليا ، ولو بلغة علمانية ..
ـ إصلاح العلمانية بتحكيم الشريعة عبر خلق ظروفها أولا ، مما يستدعي إصلاح الديمقراطية بفضائل الشورى الإسلامية وفقه السياسة الشرعية .
مما يستدعي بداية :
 تخليق الشعوب 
والتحكم في الفقر 
كفرضان أساسيان لأي إصلاح
لعلنا نقفز على كل السياسات العلمانوية التي لا زالت تهدم فينا وبيننا كل مبدئية ،  بل وكل علمية باسم المنفعة والواقعية والضرورة : 
وليقع معظم حكامنا وسياسيينا في فخ البروتوكول الصهيوني القائل : سنجعل كل العالم لا يفكر فيما هو أخلاقي وخير بل فيما هو ضروري ومفيد ..
ولتحل الواقعية محل العلمية ، والمصلحة مكان المبدأ ..
 بل ولتصير بروتوكولات صهيون قوانينا للعالم كله ، ودساتيرا لكل منطماته ..
ولتحل الواقعية المادية محل الدين نفسه إن لم نستدرك كمسلمين ، فالإسلام وحده المنقد من هذا الإرتباك ..
 الإرتباك الذي لن يزداد وللأسف سوى عمقا بسبب التحديات الخارجية والأزمات الداخلية ..
 وأمام المخططات العلنية والسرية الكبيرة والتي صرفت وتصرف وستظل تصرف عليها ميزانيات فوق الخيال .
ومن منظمات صهيوماسونية وصليبية متعانقة مع كل عصابات الشر ، وعدوها الأول ديننا قبلنا وقبل بلداننا وحكامنا ، ويقودها إبليس شخصيا ..
فحذار ي ساستنا ..
إن العدو شيطان .. 
لكن :
إن كيد الشيطان كان ضعيفا . النساء 76
ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين الأنفال 30